الجمعة، 28 أكتوبر 2016

في أريحا كان خرطيون وسلامة وذو الكفل والنبي موسى ..وباص السوشال ميديا..الجزء الثالث

الجزء الثالث

المحطة الثالثة..مقام النبي موسى
كنت أسمع كثيرا بمقام النبي موسى وموسم النبي موسى، لكن لم يسبق لي حتى أن رأيت صورة للمكان، لذلك عندما وصلت ذهلت..كانت الصورة المرسومة في ذهني عبارة عن غرفة صغيرة تعلوها قبة صغيرة وربما المكان غير نظيف من الداخل، وأعتقد أن السبب الرئيس لهذه الصورة هو بقية المقامات الصوفية التي نجدها هنا وهناك في قمم الجبال.
المكان ليس مبنى من الحجارة فقط، بل فيه تتم طقوس أحد أشهر المواسم التي عرفتها فلسطين منذ عهد المملوكي الظاهر بيبرس،ففلسطين كانت تحتفل بثلاثة أعياد (الأضحى والفطر والنبي موسى).




على مدخل المقام يجلس جمل تعب من الصور وركوب ظهره، وأحد المشاركين سكب في فمه القهوة، وما آلمني جداً صرخة الجمل، شعرت أنّه لو تحدث لشكر ربّه أنّه ليس إنساناً يحتسي القهوة. بعد أن تتجاوز الساحة الخارجية التي تقف فيها الحافلات وبائع القهوة والفخار، تصل ممراً يحوي مناضد خشبية عليها تذكارات يدوية فلسطينية  في قمة الجمال.










قصة الموسم
تناقلت الألسن رواية شعبية مفادها أن صلاح الدين الأيوبي مر بأعرابيين يبكيان قرب قبر ما، فاستغرب واستفسر عن السبب، فقالا له: هذا قبر النبي موسى، مما دفع الظاهر بيبرس إلى تشييد المكان، فيما بعد في العهد التركي تم بناء القباب والغرف ولا يزال المكان تحت الرعاية التركية.

كان الموسم في بدايته ذا طابع عسكري، ففي عهد الظاهر بيبرس لم تكن بلاد الشام شفيت بعد من الاحتلال الصليبي، وفي نيسان وفي عيد الفصح بالتحديد يكثر الحجاج القادمون من الغرب، مما حذا بالظاهر بيبرس إلى إقرار الاحتفال بموسم النبي موسى في الجمعة الثانية من كل نيسان خوفاً من عودة الاحتلال الصليبي مرة أخرى.

طقوس الموسم
تبدأ الطقوس يوم الخميس من مدينتين كبريين هما: نابلس والخليل، حيث تبدأ الحشود من جبل نابلس بالتحرك باتجاه القدس في مقدمتها المتصوفة،ويقود الموكب شباب البلد "الفتوة" كل سلاحه بيده،وذات الأمر يحدث في جبل الخليل،أما بقية المناطق فكانت تنتظر الموكبين في مناطق مختلفة من الطريق وتنضم إليهما.

وكانوا على الطريق ينشدون بعض المقاطع التحفيزية الدينية والثورية،منها:
اسمع مني يا عزيزي .. ..والثوار هم الأمارة ..حجامين ويا منصور وبسيفك هدينا السور. .. (لها بقية في التسجيل)

يصل الموكبان القدس ويقضي الجميع  ليلة الجمعة في سباق الخيل والرماية وعقد المباريات بين شباب الموكبين،وصباح الجمعة يبدأ التحرك باتجاه مقام النبي موسى بقيادة وجهاء المنطقة. تبدأ الاحتفالات يوم السبت وتستمر حتى الخميس، يتخللها سباق الخيل والرماية والمبارزات والاحتفالات الشعبية المختلفة، مع الجاهزية الكاملة بالأسلحة والذخيرة للدفاع عن المسجد الأقصى في حال طرأ طارئ.

بالطبع كانت الطعام والشراب متوفراً للجميع من المحسنين ورجال الخير، وإن كنت لا تملك بيتاً قريباً ففي الطابق الثالث هناك غرف يمكنك المبيت فيها، أما الطابق الثاني ففيه الأروقة والغرف الأخرى والمسجد، والطابق الأول فيه الاسطبلات.

بقي الموسم ذا طابع عسكري حتى إيقافه عام 1937،لأن 15/4/1936 أي يوم انطلاق شرارة ثورة عام 1936 كان خلال موسم النبي موسى،وعام 1947 احتفل الناس بالموسم لكنّه منع فيما بعد وتم تحويل المكان إلى ثكنة عسكرية منذ عام 1967 وحتى 1987 ليتم تحويله بعد ذلك إلى مركز لمعالجة مدمني المخدرات.

عام 1994 مع دخول السلطة الفلسطينية بات للموسم طابع ثقافي، إذ تجتمع الكشافة والصوفيون من مختلف المناطق، ويحيون الموسم بضرب"الصاجات" والابتهالات وأكل الحلاوة الموسمية التي كانت تعتبر من أشهى الحلويات وكانت تصنع في بلاد الشام، واليوم تصنع في نابلس وتسمى أيضا "حلاوة قدّوم" لصلابتها، ومع المساء تنتهي كل الفعاليات ويعود كل شخص من حيث أتى.

محيط المقام
عند مغادرتك المقام هناك حجارة سوداء متناثرة، هذه الحجارة كانت تستخدم لإشعال النار لذلك كان القادمون يقولون إن من بركة النبي موسى ناره بحجاره. و في المساحة الصحراوية الممتدة أيضاً قبور متناثرة هنا وهناك تعود لأناس جاءوا لتأدية الشعائر والطقوس وتوفوا في المقام، أو من طلب القرب من المقام وأوصى أن يدفن هنا، أما تلك الغرفة على قمة التلة الصحراوية فتسمى مقام عائشة.

مقام عائشة وبعض القبور
مواسم أخرى
على بعد 30 مترا يقوم مقام حسن الراعي،وعلى شاطئ البحر كان موسم النبي روبين الترفيهي الذي يستمر لمدة شهر كامل، يرقص فيه الناس ويغنون، وكانت النساء يقلن لأزواجهن قديما "يا بتروبني يا بتطلقني".أما في عسقلان فكانوا يحتفلون بموسم النمل،وفي رام الله بالنبي صالح.. والكثير الكثير.

للاستماع إلى قصة الموسم..هنا

استراحة الغداء
في طريق العودة من مقام النبي موسى قررنا التوقف في مدينة أريحا لتناول الغداء، لم يكن الطعام سيئاً ربما لأنني وبعض المشاركين قررنا تناول المقبلات لأسباب تتعلق بالحيوانات، ولم يكن الأمر سيئا، صادفت أشياء جميلة في تلك المنطقة الصغيرة التي توقفنا فيها، سيارة قديمة، معتز يجلس مكان الأمتعة مثلا.




المحطة الرابعة..طواحين السكر

الجزء الأول..شجرة زكّا
قبل أن أحدثكم عن الطواحين ،يجب أن أقول لكم أنها كانت ألغيت من البرنامج بسبب تأخر الوقت، لكنّ المعظم صوّت للذهاب إلى هناك.

في الطريق إلى هناك مررنا بجانب تل السلطان، التل الأثري الأقدم في أريحا إذ أن عمره يصل إلى 10000 سنة،أما تلول ابو العلايق فيعتقد أنها كانت قصر في عهد هيرودوس. بعد ذلك سترى شجرة كبيرة محاذية للمتحف الروسي في شارع عين السلطان، تسمى شجرة الجميز أو لنقل شجرة زكا، والتي بحسب الإنجيل (19 إنجيل لوقا: 1- 4) تنسب إلى زكا وهو أحد الرجال الأغنياء في أريحا وكان رئيساً لجامعي الضرائب،والذي حاول أن يشق الجمع ليرى السيد المسيح عليه السلام عند مروره من أريحا ووقوفه تحت شجرة الجميز يحادث القوم، وعندما لم يستطع لقصر قامته، صعد الشجرة واستضاف المسيح في منزله تلك الليلة، وتبرع بنصف أمواله للفقراء إكراما لعيسى عليه السلام،وعلى جانب الشجرة ستجد فسيفساء تشرح هذه القصة.

هذه الشجرة مهمة أيضاً لوقوعها في الطريق إلى جبل قرنطل أو التجربة حيث يوجد دير بني في الجبل، قضى فيه المسيح هناك أربعين يوما صائما كتحدٍ للشيطان كما تقول الروايات.



الجزء الثاني..الطواحين
وصلنا طواحين السكر في سفح جبل التجربة كان حقاً أمنية لي أن أصل إليها، لا لشيء ولكن الاسم مغرٍ حقيقة ويحثك على الاستكشاف.ربما تحتاج أن تمشي لمدة دقيقتين حتى تصل إلى غرف نصفها موجود وأخرى أكل عليها الدهر وشرب، سترى غرفة لتخزين السكر  وساحة ومعصرة وطاحونة ومصفاة وفرن ومطبخ أو بقاياها بالأحرى.


قنوات المياه التي كانت تندفع منها المياه بسرعة
كانت المياه تتدفق بقوة لتدير الطاحون



في هذه المنطقة كان الناس في العصور الوسطى يزرعون قصب السكر ومن ثم يحصد ويقطع ويهرس ويعصر، ويغلى ويوضع في أواني خاصة لاستخراج السكر،وما استطعت فهمه من الآثار الباقية أن المياه كانت تنساب من علو لتحرك الطاحونة التي بدورها تدور لهرس قصب السكر و تستكمل باقي العمليات كما ذكرت، وبالإضافة إلى ذلك وفي ذات الحفريات عام 2001 تم الكشف عن أوان فخارية ونحاسية وجرار  ومخاريط تستخدم في عملية التصنيع، وقطع نقدية تعود للفترات الرومانية والبيزنطية وأخرى للفترة الأيوبية.



انتهت الجولة وعاد كل منا إلى منزله بصور ومعلومات ربما للمرة الأولى يسمعها، وبدأ يحضّر نفسه لليوم التالي..للعمل وإخبار زملائه عن باص السوشال ميديا، وأنا كان لي نصيب من الانتظار على الرصيف وسماع بعد التعليقات والتدخلات اللطيفة التي تضحكك وتضيف لقصص ذلك اليوم قصة أخرى قصيرة .


انتهى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق