الأحد، 29 يناير 2017

هلّم إلى يانون..

أنت من يقرر، ولا شيء مستحيل، هذا ما قلته لنفسي عقب استيقاظي ورؤية لا شيء حقيقة سوى الضباب، على الرغم من أنّني يوم أمس قلت للمواطنين عبر الإذاعة الأجواء غائمة جزئيا ولم أذكر لهم شيئاً عن المطر!، مرة أخرى سأصنّف كاذبة بسبب تقلبات الطقس، ولن تكون الأخيرة بالطبع.
وقفت على المفترق انتظر الحافلة وربما تستطيعون تخيل الوقوف الساعة السادسة والنصف يوم جمعة غائمة ماطرة، نصف ساعة من الانتظار ثم ظهرت حافلة تعمل على خط القدس لا أدري ما الذي دفعها لسلوك تلك الطريق حينها، ربما هو الحظ.



الطريق من بيرزيت إلى رام الله
بالترتيب من اليمين: مرام، فوز، رناد، لمى، ياسمين

كالعادة، اجتماع، تعارف، انطلاق، وصول!

يانون!، هل تعرفها؟!، يانو الهادئة المطمئنة كما أسموها في العهد الروماني،والتي كانت تابعة لمقاطعة أكربتايم ذلك العصر ويظهر ذلك جليّاً على الفسيفساء المنقوشة في مأدبا في الأردن، تجثم بيوتها الصغيرة القليلة التي يبدو أنّها لن تزيد بيتاً واحداً على الأقل، على سفح الجبل وطريق ترابية يحيطها نبات الصبر من جهة وإطلالة على سهول يانون على الجهة الاخرى توصلك إليها.

في يانون يسكن أقل من مئة شخص، لنبدأ بيانون "الشمالية" التي تقع في منطقة ج، مما يعني أن البناء والتوسع ممنوع وأن العديد من الأنشطة الزراعية ممنوعة،أما يانون الجنوبية والتي تقع في منطقة ب البناء فيها مسموح لكن لن يكون فيها توسع قريب لأن مقومات الحياة شبه معدومة.


16450 دونما هي مساحة يانون، لمواطنيها فقط 20% من مساحتها، نصفها يحتاج السكان لتصاريح من الارتباط الاسرائيلي لدخولها، وهي معرضة باستمرار للهدم دون إخطارات أو تحويل لمناطق تدريب عسكرية.




سهول يانون

يانون الشمالية








التعليم في يانون
أتذكر صفك المكتظ في المدرسة حين كان 30 طالبا في ذات الغرفة؟ حسنا، إن كنت تبحث عن صف بعدد طلاب أقل، هلمّ نذهب إلى مدرسة يانون الأساسية، 9 طلاب موزعين على 6 مراحل، يدرسهم 6 موظفين، أما حين تتخطى الصف السادس فستذهب إلى مدرسة عقربا في حافلة خصصتها وزارة التربية والتعليم بدعم من الحكومة اليابانية لسكان المنطقة، وأنصحك بأن تبدأ بتوفير مصروفك المدرسي، من أجل دراستك الجامعية لأن طريقك من بيتك في يانون لجامعة النجاح الوطنية في نابلس على سبيل المثال ستكلفك 60 شيقل يوميا هذا إذا لم ترتفع أكثر حين تدخل أنت الجامعة.

فعالية للأطفال في ساحة مدرسة يانون

مدرسة يانون

الخدمات في يانون
في يانون كان هناك مجلس قروي قائم بذاته حتى قبل 4 أعوام عندما تم ضمه إلى مجلس قروي عقربا مما قلل إلى حد كبير الخدمات التي كانت تقدم للمجلس، أما بالنسبة للخدمات الصحية فاملأ بيتك بالأدوية واستشارات الأطباء لأنّه في حال "لا سمح الله" توعكت صحياً في الليل فلن تجد توصيلة للمشفى، أو بالأحرى أقرب مشفى بعيد!.
يانون القديمة
قلت لكم أن يانون موجودة منذ العهد الروماني أو ربما قبل ذلك، ولنلق نظرة الآن على ما كان فيها من مقابر ومعالم قديمة ومقامات وبرج للحمام من الحضارة اليونانية، وغير ذلك.


عين الماء
عندما قالوا لي هناك عين ماء سنزورها، اندفعت وقلت هيا نذهب "على الرغم من أنني لم ألمحها"خاطبت نفسي بعد ذلك..هل أحدثكم عن عين الماء التي إن أردت رؤيتها عليك أن تنزل سلما ضيّقاً وبالنسبة لي كصاحبة شعر مجعد يأخذ دائما مساحة في كل مكان كان لي وله حصة من الغبار والأتربة المتراكمة.

قرب عين الماء

مدخل العين

المجرى الأول للعين

المجرى الثاني للعين


مسجد يانون
هل المساجد دور عبادة فقط؟
لا أعتقد، المساجد تحف فنية ايضا، فهذا المسجد من أبسط المساجد التي من الممكن أن تراها في حياتك، تدخل الساحة الأمامية له وتجلس تمتع ناظريك بجمال الطبيعة، أو تدخل المسجد بعد أن تنزل 4 درجات حجرية واسعة، وتجد أمامك على أرضيته فسيفساء من العهد الأموي تآكل نصفها وتدمر بفعل السرقات والإهمال، هذه الفسيفساء تضم زخارف ونخيل وأشكال هندسية على النمط الإسلامي.

عام 2004 قررت لجنة زكاة عقربا بمبادرة من الحاج فتح الله أبو السوس ترميم المسجد والفسيفساء بعد أن كان لا سقف له، وبه فراغ لعمودين تمت سرقتيهما وبيعهما في أريحا، وهو أحد اثنين كانا في الفترة الإسلامية عندما سكنها قادة الجند وبنوا فيها الدور والقصور.

مدخل المسجد
المسجد من الداخل

الفسيفساء

الفسيفساء

مقام النبي نون
تقول الأسطورة أن هذا المقام الذي بني في الفترة المملوكية يعود للنبي يونس بن النون، يتكون من غرفتين واحدة للاستراحة وواحدة للعبادة في داخلها بئر، ولكنّك ستصل المقام وتصدم بكم العبارات الملونة المكتوبة على جدرانه والتي أتلفت جماله وقدمه.



المفام من الخارج

الكتابات داخل المقام

البئر داخل المقام


مقام النبي نون كغيره من المقامات تشهد جدرانه الكثير من القصص.
في هذا التسجيل ستسمعون قصة مقام النبي نون وغيره من المقامات (4 مقامات) والمواسم.
للاستماع لحمزة العقرباوي هنا

المقابر
على الغرب من المقام تجد مقبرتين إحداهما قديمة فيها قبور كتب عليها بالعربية غير المقروءة لأناس من بلغراد والعراق وبعض الدول العربية، ربما جاؤوا وماتوا هنا في موسم الحج أو طلبوا أن يدفنوا هنا، وأخرى جديدة بني آخر قبر فيها قبل 200 عام.


اووه يبدو أنني نسيت إخباركم بقصة المكان الحديثة، أنتم تعرفون السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، هو أعطى عائلة بوشناق القادمة من البوسنة والهرسك يانون، بعد أن طلب جباة الضرائب الأتراك من أهل المنطقة 35 ديناراً وهو مبلغ لم يستطع أهل يانون دفعه بسبب الفقر، مما حذا بهم تسليمها إلى آل بوشناق ليتولوا دفع الضرائب عن السكان.
واليوم أراضي يانون مقسمة بين 6 عائلات: (بشناق، آغا نمر، بني جابر، حموضة، دار صبيح، شيخ ابراهيم شركسي) وهذا التقسيم يعطّل الكثير من الأمور.



قصر بشناق في يانون الجنوبية


فإن مررت يوماً بيانون، زرها فهي تستحق!

انتهى!.













الاثنين، 9 يناير 2017

في السماء.. لكن هنا!

ترجلت من سيارة الأجرة متلفحةً بشالها الوردي وكنزتها الصوفية التي حاكتها لها جدتها التي رحلت فجأة في شتاء بارد كهذا قبل عامين من الآن، سارعت إلى صعود الدرج المغطى بأوراق العنب المتساقطة والمتناثرة منذ الخريف، بحثت عن مفاتيحها في الحقيبة الجلدية الصغيرة، لم تجدها بداية فتأففت وأعادت البحث من جديد ولكن بقليل من القسوة هذه المرة.

وجدت المفاتيح ولكن في ذات اللحظة لفت نظرها تغييرٌ ما حصل في صندوق البريد على باب المنزل-هذا الصندوق كان السبب في شرائها البيت فذات الضفيرة تعشق كل قديم-اتجهت إليه لتجد مغلّفا أحمر، أخذته بتوجس من يجرب شيئا لأول مرة في حياته- هي لم تستخدم البريد قبلا وهذا الصندوق غير مسجّل أصلا في القوائم البريدية باسمها.

أخذت المغلف وفتحته لتجد فيه صوراً، كانت تريد تفحصها قبل الدخول إلى المنزل لكن نسمة هواء باردة أيقظتها من دهشتها ونبهتها إلى قرب تساقط المطر.

دخلت ذات الضفيرة المنزل ولم تنتظر أن تخلع رداءها المبلل بل جلست على أقرب كرسي صادفها في المنزل، وبدأت بتقليب الصور، هذه الصور تباً لها!.
هذه الصور مع أول حبيب لها في حياتها والذي بسببه ربما لن تحب أبداً، هذا الحبيب الذي رحل بسببها-لم يرحل إلى أي مكان، بل صعدت روحه إلى السماء-فهي التي أصّرت عليه بالخروج قبل شتاء واحد للسير تحت المطر وهو الذي أصّر على إيصالها للمنزل قبل موعد إغلاقه بقليل.
ذلك اليوم وصلا للمنزل وقبّلها على وجنتها قبلة كانت هي الأخيرة، ودّعها واتفقا على أن يلتقيا بعد يومين ريثما ينتهيان من اختبارات الجامعة النهائية، لكنّه لم يصل حتى إلى منزله، لأنّ شاحنة كبيرة خرجت فجأة من بين الضباب وصدمته! أو لنقل فتتته، لم ينتبه سائق الشاحنة لما حدث لولا صراخ ذات الضفيرة التي ما كادت تهم بإغلاق باب بيتها حتى رأت الحادث.

رحل للأبد!
لم تخبر هي أحداً بما حدث يومها، خافت من الكثير من الأشياء، حتى أنّها لم تهرع لترى ما تبقى من جسد ذلك الجميل، بل اكتفت بأن أغلقت باب المنزل بعد تلك الصرخة التي أطلقتها وسقطت مغشياً عليها حتى اليوم التالي.

لنعد للصور الآن فدموع ذات الضفيرة وغصة في حلقها وصوتها لم تسمحا لها بإكمال القصة..
هذه الصور كانت نتاج تجربة قرراها يوما ما في إحدى جلساتهما الغرامية في حديقتهما المفضلة، وهي أن يتراسلا كعاشقين في البريد فقط دون أن يخبر أحدهما الآخر بموعد إرسال رسالته، لكن يبدو أن نقلها لمكان سكناها بعد الحادث أخّر وصول البريد حتى اليوم.

سقطت من المغلف ورقة كتب عليها بخطّه الأنيق "أحبّك"، وكأن روحه عادت لتخبرها "وعدتك يوماً أن أبقى معك مهما حصل، وها أنا ذا!".