الأربعاء، 9 يناير 2019

التائهون في المدينة!

كيف نبدأ عامنا الجديد؟ مع من نحب؟ أم في السرير؟ أو ربما نخرج قليلا ونرضي رغبة الاستكشاف فينا..

اليوم اخترنا نابلس، لنثبت لأنفسنا أنه حقا هناك أماكن لزيارتها وهي ليست فقط مدينة المقاهي والتسوق واللاشيء كما يقول البعض، وقررنا أيضا أننا لن نخطط إلا قليلا وسنسير كثيرا..


ربما ترى كنيسة كبيرة جميلة عند دخولك لمدينة نابلس قادما من الجنوب وبالتحديد قرب مفترق بلاطة، هذه بئر يعقوب أو البئر السامرية التي تقول الرواية إن السيد المسيح وكان يهوديا آنذاك مر قربها وطلب من سامرية قرب البئر أن تعطيه بعض الماء ليشرب.
أرضية ساحة الكنيسة الخارجية مليئة بالزخارف التي تحكي قصة ربما وتجسد تاريخ البئر، ومن الداخل الرسومات وجماليات الكنيسة والسياح الكثر، وفي قبو تحت الأرض البئر.
الكنيسة بنتها الملكة هيلانة والدة الامبراطور البيزنطي قسطنطين في القرن الرابع الميلادي، وهدمت ورممت كثيرا ،وصولا للشكل الحالي للمبنى الذي بدأ بناؤه عام 1908-1914 واستكمل عام 1994.










ليس بعيدا عن الكنيسة...تجد تل بلاطة
 فقط 15 دقيقة على الأقدام استثمرها في النظر إلى كل شيء حولك من مخيم بلاطة الذي يتمتع بخصوصية كبيرة إلى الجبال المحيطة، واشتر القهوة من العربة الصغيرة على الطريق، وأثناء ذلك ستراه تلا فارغا أو ربما حديقة عامة، وربما لا تعرف أنه منطقة أثرية لولا الآرمة البنية التي تشير للمدخل، ولكنه لم يكن هكذا بكل تأكيد قبل الميلاد ب3500 عام، إذ تربعت المدينة الكنعانية شكيم  بين جبلي عيبال وجرزيم، ضمن الطرق التجارية القديمة إضافة إلى قربها من عين مياه قريبة.



مخيم بلاطة

سور المدينة، المعبد، المذبح..الخ. هي العبارات المنتشرة هنا وهناك في محاولة لمساعدة الزائر على تخيل ماذا كانت الناس تفعل هنا وكيف عاشت، فهم بنوا سورا ضخما لحمايتهم ومعبدا للتقرب لآلهتهم، وساحات مقدسة امام القصر الملكي عاش فيها رجال الدين وأهل الحكم.

ولكن أتعلم؟ لو مررت من المنطقة في عام 1912 مثلا لن ترى شيئا، فالحفريات في التل الذي كان مطمورا بالكامل استمرت من 1913-1934، ثم من عام 1965-1969، وحفريات أخرى كانت عام 2011، وأسفرت عن كشف الأماكن الأثرية السابقة الذكر إضافة إلى أسلحة برونزية.






وقبل خروجنا من التل التقيت بسيارتي الصغيرة المفضلة، على الرغم أني لست هاوية للسيارات إلا أنني أشعر أن هذه تشبهني وتشبه أشيائي.

  
التائهون في البلدة
 في البلدة القديمة تقول: سأزور كذا وكذا، وعند انتهاء جولتك تجد أنك صادفت أماكن أخرى في طريقك لم تكن في القائمة تنشغل بها وتنسى الهدف الرئيسي، هي هكذا البلدة القديمة هناك؛ جميلة ودافئة ومكتظة وعشوائيتها مرتبة، وتعطيك شعورا مختلفا عن نابلس الجديدة بأبنيتها الضخمة المزعجة وأزمة سياراتها.



مطحنة بريك-عمرها 400 عام

مطحنة بريك

سبيل الخضر تبرع به صاحبه قبل أكثر من 100 عام ويعتبر من أجل السبل في نابلس

لنبدأ بهذه السينما التي يخفق قلبي حزنا عليها حين أمر بجانبها، وأتخيل مكانها ركاما، أو موقفا للسيارات الفارهة، أو ربما مكانا للنفايات، كما كان مصير مثيلاتها.

غرناطة بنيت عام 1951 لتكون من أوائل دور السينما في نابلس، وكانت تعتبر عالمية تعرض أفلاما عربية (أول فيلم: سيف الانتقام)، وأخرى اجنبية وهندية، وكان فيها طبقات للجمهور تختلف في الموقع ونوعية المقاعد، ومكانك فيهما يحدد بناء على ما تمتلكه من اموال.




الحلوى الملونة الغنية بالسكر نحب شكلها ومذاقها وهي في المتاجر العادية، فكيف لو دخلت مصنع الحلقوم هذا ورأيتها طازجة ملونة تختار منها ما تشاء!.




الآن نصل للساحة الغنية عن التعريف التي تعتبر رمزا لمدينة نابلس، ساحة المنارة أو ساحة الساعة أو باب الساحة والتي يتوسطها برج الساعة المبني عام 1901م / 1318ه، بعد أن احتفل السلطان العثماني عبد الحميد بعيد ميلاده وأهدى 6 مدن أخرى أبراجا مماثلة.

البرج على صغره، فيه 4 طوابق، الأول هو المدخل أما الثاني فله شرفة ونوافذ، والساعة الشهيرة التي استخدمت في ضبط مواعيد المدينة هي في الطابق الثالث، أما الأخير لثقالات الساعة.




في البلدة قصور كثيرة منها قصر عبد الهادي في حارة الياسمينة الذي بناه الشيخ حسين عبد الهادي عام 1834م، ولكننا لم نستطع دخوله لوجود عزاء فيه.

ليس ببعيد عنه قصر طوقان الذي بناه رئيس علماء نابلس إبراهيم بك بن صالح باشا طوقان في القرن الثامن عشر، وارتبط المبنى بالأديبين الراحلين إبراهيم طوقان وأخته فدوى، إضافة إلى قدري طوقان، ويقع البناء على مساحة ضخمة وفيها قسم مخصص للسلملك(الرجال) وقسم للحرملك (النساء )، ولكننا وجدناه فارغا باردا يحتاج الكثير من الإصلاحات.





وختام البلدة القديمة يكون دائما مع الكنافة النابلسية وصبانة النابلسي المقابلة لحلويات الأقصى، هذه الصبانة التي تشتم رائحة القِدَم عند دخولها فالأضواء خافتة وهي هادئة وصغيرة، الصبانة والتي تعرف ايضا باسم البدر، بنيت قبل 800 عام، وكانت عملية طهي الصابون فيها تستغرق أسبوعا تقريبا، فالأدوات كانت بدائية ويدوية ومكان الطهي من حجر.
اليوم، الصبانة تعتبر مزارا سياحيا ولا تعمل، لأن أصحابها شأنهم شأن غيرهم توجهوا للتقنيات الحديثة المريحة.

حلة الطبخ



وبعد السير في أزقة المدينة وتاريخها لا بد أن نرى الجديدة بتكدس أبنيتها من على الجبل في سما نابلس.






 !انتهى