الاثنين، 9 يناير 2017

في السماء.. لكن هنا!

ترجلت من سيارة الأجرة متلفحةً بشالها الوردي وكنزتها الصوفية التي حاكتها لها جدتها التي رحلت فجأة في شتاء بارد كهذا قبل عامين من الآن، سارعت إلى صعود الدرج المغطى بأوراق العنب المتساقطة والمتناثرة منذ الخريف، بحثت عن مفاتيحها في الحقيبة الجلدية الصغيرة، لم تجدها بداية فتأففت وأعادت البحث من جديد ولكن بقليل من القسوة هذه المرة.

وجدت المفاتيح ولكن في ذات اللحظة لفت نظرها تغييرٌ ما حصل في صندوق البريد على باب المنزل-هذا الصندوق كان السبب في شرائها البيت فذات الضفيرة تعشق كل قديم-اتجهت إليه لتجد مغلّفا أحمر، أخذته بتوجس من يجرب شيئا لأول مرة في حياته- هي لم تستخدم البريد قبلا وهذا الصندوق غير مسجّل أصلا في القوائم البريدية باسمها.

أخذت المغلف وفتحته لتجد فيه صوراً، كانت تريد تفحصها قبل الدخول إلى المنزل لكن نسمة هواء باردة أيقظتها من دهشتها ونبهتها إلى قرب تساقط المطر.

دخلت ذات الضفيرة المنزل ولم تنتظر أن تخلع رداءها المبلل بل جلست على أقرب كرسي صادفها في المنزل، وبدأت بتقليب الصور، هذه الصور تباً لها!.
هذه الصور مع أول حبيب لها في حياتها والذي بسببه ربما لن تحب أبداً، هذا الحبيب الذي رحل بسببها-لم يرحل إلى أي مكان، بل صعدت روحه إلى السماء-فهي التي أصّرت عليه بالخروج قبل شتاء واحد للسير تحت المطر وهو الذي أصّر على إيصالها للمنزل قبل موعد إغلاقه بقليل.
ذلك اليوم وصلا للمنزل وقبّلها على وجنتها قبلة كانت هي الأخيرة، ودّعها واتفقا على أن يلتقيا بعد يومين ريثما ينتهيان من اختبارات الجامعة النهائية، لكنّه لم يصل حتى إلى منزله، لأنّ شاحنة كبيرة خرجت فجأة من بين الضباب وصدمته! أو لنقل فتتته، لم ينتبه سائق الشاحنة لما حدث لولا صراخ ذات الضفيرة التي ما كادت تهم بإغلاق باب بيتها حتى رأت الحادث.

رحل للأبد!
لم تخبر هي أحداً بما حدث يومها، خافت من الكثير من الأشياء، حتى أنّها لم تهرع لترى ما تبقى من جسد ذلك الجميل، بل اكتفت بأن أغلقت باب المنزل بعد تلك الصرخة التي أطلقتها وسقطت مغشياً عليها حتى اليوم التالي.

لنعد للصور الآن فدموع ذات الضفيرة وغصة في حلقها وصوتها لم تسمحا لها بإكمال القصة..
هذه الصور كانت نتاج تجربة قرراها يوما ما في إحدى جلساتهما الغرامية في حديقتهما المفضلة، وهي أن يتراسلا كعاشقين في البريد فقط دون أن يخبر أحدهما الآخر بموعد إرسال رسالته، لكن يبدو أن نقلها لمكان سكناها بعد الحادث أخّر وصول البريد حتى اليوم.

سقطت من المغلف ورقة كتب عليها بخطّه الأنيق "أحبّك"، وكأن روحه عادت لتخبرها "وعدتك يوماً أن أبقى معك مهما حصل، وها أنا ذا!".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق