الاثنين، 19 سبتمبر 2016

لم تعد الجدة تنتظر..

حدثت هذه القصة في زمن ثابت في القلوب لكنّه يبعد شيئاً فشيئاً في الزمن المحسوس..

أذكر تلك الجدة بشعرها القصير و خصلاتها التي تتسلل من تحت خرقتها البيضاء الأنيقة ، و ثوبها الأخضر البسيط ،ووجهها ذي الملامح الدقيقة الجميلة جدا ،كانت تجلس في ساحة منزلها كل يوم ترقب الشارع أحيانا و تطعم القطط أو الدجاج أحيانا أخرى.


هذه الجدة توفي زوجها في شبابه ، وأخذت على عاتقها تعليم أطفالها بكل السبل ، و عندما كبر الأطفال تفرقوا ،البنات تزوجن و انتقلن إلى بيت الزوجية و الذكور سافروا و تزوجوا و لم يبق لديها سوى ذكريات و أصداء أصوات في منزلها الكبير الذي أصبح موحشاً.


كانت تنتظر المناسبات لترى عائلتها تجتمع حولها و دائما كانت مثل "بابا نويل" جدة الحلوى ،و بيتها كان مرتع الأطفال و مكان استكشاف الأسرار الغريبة ، لكن مع الزمن بدأ الأحفاد يكبرون و يبتعدون لأسباب غير واضحة ،كل باتت له اهتماماته و مشاغله ،و عادت الجدة تجلس وحيدة في ساحة المنزل لا تطعم القطط هذه المرة فصحتها لا تسمح



ما أدهشني في إحدى الزيارات لها أن الأحفاد و الأولاد المدللين باتوا المراهقين و البالغين المتذمرين فإن قالت لأحدهم لا تفعل هذا تذمر أو ربما صرخ في وجهها ،و المبكي أنها تصمت و تنظر للأرض فلا حول لها للرد ولا قوة.


مضى الزمن و فرغ بيت الجدة ففي الأعياد لم تعد ترى سوى أولادها و بناتها الذين لا يزورونها إلا لماماً يجلسون لسويعات قليلة مع والدتهم التي تجاوزت الثمانين كجزء من واجب إجباري و ليس من حب يكنونه لهذه السيدة الفاضلة التي باتت تجلس تنتظر أحدا يطل عليها على أحر من الجمر ،فهي تشتاقهم بجنون.


اليوم ،الباب مغلق ،فلا جدة تجلس في الساحة ولا أحفاد يدخلون البيت ،فالجدة رحلت إلى خالقها حيث زوجها الذي أحبها و أحبته طيلة حياتهما،و ربما هو الآن يسألها عن أهل بيته و هي تجيبه بكل حب كما اعتاد الجميع عليها ، و أهل البيت يعضون أصابعهم ندما و حسرة .


#قصة حقيقة #

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق